فصل: شهر شعبان سنة 1224:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر رجب سنة 1224:

واستهل بيوم الأحد فيه اجتمع المودعون للسيد عمر، ثم حضر محم كتخدا المذكور فعند وصوله قام السيد عمر وركب في الحال وخرج صحبته وشيعه الكثير من المتعممين وغيرهم وهم يتباكون حوله حزناً على فراقه وكذلك اغتم الناس على سفره وخروجه من مصر لأنه كان ركناً ولجأً مقصداً للناس ولتعصبه على نصرة الحق فسار إلى بولاق ونزل في المركب وسافر في ليلته بأتباعه وخدمه الذين يحتاج إليهم إلى دمياط.
وفي ذبح ذلك اليوم، حضر الشيخ المهدي عند الباشا وطلب وظائف السيد عمر فأنعم عليه الباشا بنظر أوقاف الإمام الشافعي ونظر وقف سنان باشا ببولاق وحاسب على المنكسر له من الغلال مدة أربع سنوات فأمر يدفعها له من خزينته نقداً وقدرها خمسة وعشرون كيساً وذلك في نظير اجتهاده في خيانة السيد عمر حتى أوقعوا به ما ذكر.
وفيه تقيد الخواجا محمود حسن بزوجان باشا بعمارة القصر والمسجد الذي يعرف بالآثار النبوية فعمرها على وضعها القديم وقد كان آل إلى الخراب.
وفي يوم الثلاثاء خلع الباشا على ثلاثة من الأجناد المصرية المنسوبين لسليمان بك البواب وقلدهم صناجق وأمراء الوقت وضم إليهم عساكر أتراك وأرنؤد ليسافر الجميع إلى الجهة القبلية بسبب عصيان الأمراء المرادية وتوقفهم عن دفع المال والغلال وكذلك عين للسفر أيضاً أحمد آغا لاظ وصالح قوج وبونابارته وحسن باشا وعابدين بك فارتجت البلد وطلبوا المراكب فتعطل المسافرون إلى الجهة القبلية والبحرية وكذلك امتنع مجيء الواصلين بالغلال والبضائع خوفاً من التسخير، وقد كان حصل بعض الاطمئنان وسلوك الطريق القبلية ووصول المراكب بالغلال والمجلوبات.
وفي عاشره، سافر أحمد آغا لاظ وصالح قوج وخرجوا بعساكرهم ونزلوا في المراكب وذهبوا إلى قبلي.
وفيه حضر محمد كتخدا الألفي من دمياط راجعاً من تشييع السيد عمر ووصوله إلى دمياط واستقراره بها.
وفي يوم الخميس تاسع عشره، سافر من كان متأخراً إلى الجهة القبلية ولم يبق منهم أحد.
وفي ثالث عشرينه، نادى منادي المعمار على أرباب الأشغال في العمائر من البنائين والحجارين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائناً من كان وأن يجتمع الجميع في عمارة الباشا بناحية الجبل.
وفي تاسع عشرينه، وردت أخبار عن التجريدة أزعجت الباشا فاهتم اهتماماً عظيماً وقصد الذهاب بنفسه ونبه على جميع كبراء العساكر بالخروج وأن لا يتخلف منهم أحد حتى أولاده إبراهيم بك الدفتردار وطوسون بك وأنه هو المتقدم عنهم في الخروج في يوم الخميس واستعجل التشهيل والطلب وأمر بتحرير دفتر فرضة ترويجة على إقليم المنوفية والغربية والشرقية والقليوبية وذكروا أنها من أصل حساب الشهرية المبتدعة.
وفيه تقلد حسن آغا الشماشرجي كشوفية المنوفية وأرخى لحيته على ذلك.

.شهر شعبان سنة 1224:

استهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء، وفيه نمق مشايخ الوقت عرضحال في حق السيد عمر بأمر الباشا ليرسله صحبة السلحدار وذكروا فيه سبب عزله ونفيه عن مصر وعدوا له مثالب ومعايب وجنحاً وذنوباً منها أنه أدخل في دفتر الأشراف أسماء أشخاص ممن أسلم من القبط واليهود ومنها أنه أخذ من الألفي في السابق مبلغاً من المال ليملكه مصر في أيام فتنة أحمد باشا خورشيد ومنها أنه كاتب الأمراء المصريين أيضاً في وقت الفتنة حين كانوا بالقرب من مصر ليحضروا على حين غفلة في يوم قطع الخليج وحصل لهم ما حصل ونصر الله عليهم حضرة الباشا ومنها أنه أراد إيقاع الفتن في العساكر لينقض دولة الباشا ويولي خلافه ويجمع عليه طوائف المخاربة والصعائدة وأخلاط العوام وغير ذلك وذلك على حد من أعان ظالماً سلط عليه وكتبوا عليه أسماء المشايخ وذهبوا به إليهم ليضعوا ختومهم عليه فامتنع البعض من ذلك وقال هذا كلام لا أصل له ووقع بينهم محاججات ولا الأعاظم الممتنعين على الامتناع وقالوا لهم أنتم لستم بأروع منا وأثبت لنفسه ورعاً وحصل بينهم منافسات ومخالفات ومقابحات، ثم غيروا صورة العرضحال بأقل من التحامل الأول وكتب عليه بعض الممتنعين وكان من الممتنعين أولاً وآخراً السيد عمر الطحطاوي الحنفي فزادوا في التحامل عليه وخصوصاً شيخ السادات والشيخ الأمير وخلافهما واتفق أنه دعي في وليمة عند الشيخ الشنواني بحارة خوشقدم وتأخر في حضوره عنهم فصادفهم حال دخوله إلى المجلس وهم خارجون، فسلم عليهم ولم يصافحهم لما سبق منهم في حقه من الإيذاء فتطاول عليه ابن الشيخ الأمير ورفع صوته بتوبيخه وشتمه لكونه، لم يقبل يد والده ويقول له في جملة كلامه أبيس هو إلا قليل الأدب والحياء ثالث طبقة للشيخ الوالد ونحو ذلك.
وفي ثالثه، سافر الباشا إلى الجهة القبلية وتبعه العساكر.
وفي منتصفه خرجت الدلاة والأرنؤد وباقي الأجناد والعسكر وأقام الباشا كتخدا بك قائم مقامه وأقام بالقلعة.
وفيه اتفق الأشياخ والمتصدرون على عزل السيد أحمد الطحطاوي من إفتاء الحنفية وأحضروا الشيخ حسين المنصوري وركبوا صحبته وطلعوا به إلى القلعة بعد أن مهدوا القضية فألبس قائمقام الشيخ حسيناً فروة ثم نزلوا، ثم طاف للسلام عليهم وخلعوا هم عليه أيضاً خلعهم، فلما بلغ الخبر السيد احمد الطحطاوي طوى الخلع التي كانوا ألبسوها له عندما تقلد الإفتاء بعد موت الشيخ إبراهيم الحريري في جمادى الأولى بقرب عهد وأرسلها إليهم، وكان الشيخ السادات ألبسه حين ذاك فروة، فلما ردها عليه احتد واغتاظ وأخذ يسبه ويذكر لجلسائه جرمه ويقول انظروا إلى هذا الخبيث كأنه يجعلني مثل الكلب الذي يعود في قيئه ونحو ذلك.
وأما السيد أحمد فإنه اعتكف في داره لا يخرج منها إلا إلى الشيخونية بجواره واعتزلهم وترك الخلطة بهم وتباعد عنهم وهم يبالغون في ذمه والحط عليه لكونه لم يوافقهم في شهادة الزور والحامل لهم على ذلك كله الحظوظ النفسانية والحسد مع أن السيد عمر كان ظلاً ظليلاً عليهم وعلى أهل البلدة يدافع وبرافع عنهم وعن غيرهم، ولم تقم بعد خروجه من مصر راية، ولم يزالوا بعده في انحطاط وانخفاض.
وأما السيد عمر فإن الذي وقع له بعض ما يستحقه ومن أعان ظالماً سلط عليه ولا يظلم ربك أحداً.
وفي ثالث عشره، سافر حسن باشا وعساكر الأرنؤد وتتابعوا في الخروج وتحدث الناس بروايات عن الباشا والأمراء المصريين وصلحه معهم وأن عثمان بك حسن ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الإبراهيمي وصلوا عند الباشا وقابلوه وأنه أرسل إلى إبراهيم بك الكبير ولده طوسون باشا فتلقاه وأكرمه وأرسل هو أيضاً ولده الصغير إلى الباشا فأكرمه ووصل إلى مصر بعض نساء حريمه وحريم الأمراء.

.شهر رمضان سنة 1224:

واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء وفي أواخره وصل طائفة من الدلاتية من ناحية الشام ودخلوا إلى مصر وهم في حالة رثة كما حضر غيرهم وصحبتهم من المخنثين المعروفين بالخولات الذين يتكلمون بالكلام المؤنث ومعهم دفوف وطنابير.
وفي أواخره، حرروا دفتر الأطيان على ضريبة واحدة عن كل فدان خمسة ريالات غير البراني والخدم، ولم يحصل في ذلك مراجعة ولا كلام ولا مرافعة في شيء، كما وقع في العام الماضي والذي قبله في المراجعة بحسب الري والشراقي وأما في هذه السنة فليس فيها شراقي فحسابها بالمساحة الكاملة لعموم الري فإن النيل في هذه السنة زاد زيادة مفرطة وعلا على الأعالي وتلف بزيادته المفرطة الدراوي والأقصاب بقبلي وكذلك غرق مزارع الأرز والسمسم والقطن وجنائن كثيرة بالبحر الشرقي بسبب انسداد الترعة الفرعونية بتلك الناحية ولما تمموا تحرير الدفاتر على النسق المطلوب والباشا بقبلي وأرسل بطلبها ليطلع عليها فسافر إليه بها المعلم غالي وأخذ صحبته أحمد أفندي اليتيم من طرف الروزنامه وعبد الله بكتاش الترجمان فذهبوا إليه بأسيوط وأطلعوه عليها فحتم عليها وانقضى شهر رمضان.

.شهر شوال سنة 1224:

واستهل شهر شوال بيوم الخميس في ثالث عشره حضر المعلم غالي وأحمد أفندي وبكتاش وغيرهم من غيبتهم وحضر أيضاً في أثرهم المعلم جرجس الجوهري، وقد تقدم أنه خرج من مصر هارباً إلى الجهة القبلية واختفى مدة، ثم حضر بأمان إلى الباشا وقابله وأكرمه، ولما حضر نزل في بيته الذي بحارة الونديك وفرشه له المعلم غالي وقام له بجميع لوازمه وذهب الناس مسلمهم ونصرانيهم وعالمهم وجاهلهم للسلام عليه.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه، وصل الباشا على حين غفلة إلى مصر في تطريده وقد وصل من أسيوط إلى ناحية مصر القديمة في ثلاثين ساعة وصحبته ابنه طوسون وبونابارته الخازندار وسليمان آغا الوكيل سابقاً لا غير فركبوا حميراً متنكرين حتى وصلوا إلى القلعة من ناحية الجبل وطلع من باب الجبل وعند طلوعه من السفينة أمر ملاحيها أن لا يذكروا لأحد وصوله حتى يسمعوا ضرب المدافع من القلعة، ثم طلع إلى سرايته ودخل إلى الحريم، فلم يشعروا به إلا وهو بالحريم، وعند ذلك أمر بضرب المدافع وأشيع حضوره فركب كتخدا بك وغيره مسرعين لملاقاته ثم بلغهم طلوعه إلى القلعة فرجعوا على أثره وكان الخواجا محمود حسن البزرجان خرج لملاقاته قبل وصوله بثلاثة أيام إلى ناحية الآثار وأخرج معه مطابخ وأغناماً واستعد لقدومه استعداداً زائداً وذهب تعبه في الفارغ البطال، ثم بعد وصول الباشا بثلاثة أيام وصلت طوائف العسكر وعظمائهم ومعهم المنهوبات من الغلال والأغنام والفحم والحطب والقلل وأنواع التمر وغير ذلك حتى أخشاب الدور وأبوابها.
وفي يوم الاثنين، وصل حسن باشا وطوائف الأرنؤد وصالح قوج والدلاة والترك ووصل أيضاً شاهين بك الألفي وصحبته محمد بك المنفوخ المرادي ومحمد بك الإبراهيمي وهم الذين حضروا في هذه المرة من المخالفين وقيل أن البواقي أخذوا مهلة لبعد التحضير وأما إبراهيم بك تابع الأشقر ومحمد آغا تابع مراد بك الصغير وصحبتهما عساكر فذهبا إلى ناحية السويس بسبب وصول طائفة من العربان قالوا أنها من التابعة للوهابيين حضروا وأقاموا عند بئر الماء ومنعوا السقيا منها.

.شهر ذي القعدة سنة 1224:

واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت فيه حضر إبراهيم بك ابن الباشا وباقي العسكر وسكنوا الدور وأزعجوا الناس أخرجوهم من مساكنهم ومنازلهم ببولاق ومصر وغيرهما واتفق أن بعض ذوي المكر من العسكر عندما أراد السفر إلى جهة قبلي أرسل لصاحب الدار التي هو غاصبها وساكن فيها فأحضره وسلمه المفتاح وهو يقول له تسلم يا أخي دارك واسكنها بارك الله فيها وسامحني وأبرئ ذمتي فربما أموت ولا أرجع ولأن الكثير منهم تولى المناصب والأمريات بالجهة القبلية وعندما يتسلم صاحب الدار داره يفرح بخلاصها ويشرع في عمارتها وإعادة ما تهدم منها فيكلف نفسه ولو بالدين ويعمرها فما هو إلا أن تمم العمارة والمرمة في مدة غيبتهم فما يشعر إلا وصاحبه داخل عليه بحصانه وجمله وخدمه فما يسع الشخص إلا الرحلة ويتركها لغريمه وقد وقع ذلك لكثير من الناس المغفلين.
وفيه وصلت أخبار بأن عمارة الفرنساوية نزلت إلى البحر وعدة مراكبهم مائتان وسبعة عشر مركباً محاربين لا يعلم قصدهم أي جهة من الجهات وحضر ثلاثة أشخاص من الططر المعدين لتوصيل الأخبار وبيدهم مرسوم مضمونه الأمر بالتحفظ على الثغور، فعند ذلك أمر الباشا بالاستعداد وخروج العساكر إلى الثغور.
وفي يوم السبت ثامنه، سافر جملة من العسكر إلى ناحية بحري فسافر كبير منهم ومعه جملة من العسكر إلى سكندرية وكذلك سافر خلافه إلى رشيد وإلى دمياط وأبي قير والبرلس.
وفي ليلة الاثنين ثامن عشره، ركب الباشا ليلاً وخرج مسافراً إلى السويس ليكشف قلاع القلزم وقام له بالاحتياجات من أحمال الماء والعليق والزوادة واللوازم السيد محمد المحروقي وكان خروجه ومن معه على الهجن.
وفي ليلة الأحد رابع عشرينه، حضر الباشا من السويس وكان وصوله ليلاً وطلع إلى القلعة.

.شهر ذي الحجة سنة 1224:

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الأحد، وفيه شرع الباشا في إنشاء مراكب ببحر القلزم فطلب الأخشاب لصالحة لذلك وأرسل المعينين لقطع أشجار التوت والنبق من القطر المصري القبلي والبحري وغيرها من الأخشاب المجلوبة من الروم وجعل بساحل بولاق ترسخانة وورشات وجمعوا الصناع والنجارين والنشارين فيهيؤنها وتحمل أخشاباً على الجمال ويركبها الصناع بالسويس سفينة، ثم يقلفونها ويبيضونها ويلقونها في البحر فعملوا أربع سفائن كبار إحداها تسمى الإبريق وخلاف ذلك أدوات لحمل السفار والبضائع.
ومن الحوادث في آخره أن امرأة ذهبت إلى عرصة الغلة بباب الشعرية واشترت حنطة ودفعت ثمنها قروشاً، فما ذهبت نظروها ونقدوها فإذا هي من عمل الزغلية، ثم عادت بعد أيام فاشترت الغلة ودفعت الثمن قروشاً أيضاً فذهب البائع معها إلى الصيرفي فوجدها مزغولة مثل الأولي فعلموا أنه الغريمة فقال لها الصيرفي من أين لك هذا فقالت من زوجي فقبضوا عليها وأتوا بها إلى الآغا فسألها الآغا عن زوجها فقالت هو عطار بسوق الأزهر فأخذها الآغا وحضر بها إلى بيت الشيخ الشرقاوي بعد العشاء وأحضروا زوجها وسألوه فقال أنا أخذتها من فلان تابع الشيخ الشرقاوي فانفعل الشيخ وقال إن يكن هو ابني فأنا بريء منه وطلبوه فتغيب واختفى وأخذ الآغا المرأة وزوجها وقررهما فأقر الرجل وعرف من عدة أشخاص يفعلون ذلك وفيهم من مجاوري الأزهر، فلم يزل يتجسس ويتفحص ويستدل على البعض بالبعض وقبض على أشخاص ومعهم العدد والآلات وحبسهم أيضاً بالقلعة عند كتخدا بك وفر ناس من مجاوري الأزهر من مصر لما قام بهم من الوهم وف كل يوم يشاع بالتنكيل والتجريس للمقبوض عليهم وقتلهم ولم يزل الآغا يتجسس حتى جمعوا ست عشرة عدة وأرسلوها إلى بيت محمد أفندي ناظر المهمات وسألوا الحدادين عمن اصطنع هذه العدد منكم فأنكروا وجحدوا وقالوا هذا من صناعة الشام ثم كسروها وأبطلوها وطال أمر المحبوسين والتفحص عن غيرهم فكان بعض المقبوض عليهم يعرف عن غيره أو شريكه فكانت هذه الحادثة من أشنع لحوادث خصوصاً بنسبتها لخطة الأزهر، فكان كل من اشترى شيئاً ودفع ثمنه للبائع قروشاً ذهب بها إلى الصيرفي لأن في ذاك الوقت لم يكن موجوداً بأيدي الناس خلافها وكانوا يقولون في ذهابهم إلى الصيرفي لربما تكون أزهرية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وانقضت السنة بحوادثها التي منها ما ذكر.
ومنها إحداث بدعة المكس على النشوق وذلك أن بعض المتصدرين من نصارى الأروام أنهى إلى كتخدا بك أمر النشوق وكثرة المستعملية له والدقاقين والباعة وأنه إذا جمعت دقاقوه وصناعه في مكان واحد ويجعل عليهم مقادير ويلتزم به ويضبط رجاله وجمع ماله وإيصاله إلى الخزينة من يكون ناظراً وقيماً عليه كغيره من أقلام المكوس التي يعبرون عنها بالجمارك فإنه يتحصل من ذلك مال له صورة، فلما سمع كتخدا بك ذلك أنهاه إلى مخدومه فأمر في الحال بكتابة فرمان بذلك واختار الذي جعلوه ناظراً على ذلك خاناً بخطة بين الصورين ونادوا على جميع صناع النشوق وجمعوهم بذلك الخان ومنعوهم من جلوسهم بالأسواق والخطط المتفرقة والقيم على ذلك يشتري الدخان المعد لذلك من تجاره بثمن معلوم حدده لا يزيد على ذلك ولا يشتريه سواه وهو يبيعه على صناع النشوق بثمن حدده ولا ينقص عنه ومن وجده باع شيئاً من الدخان أو اشتراه أو سحق نشوقاً خارجاً عن ذلك الخان ولو لخاصة نفسه قبضوا عليه وعاقبوه وغرموه مالاً وعينوا معينين لجميع القرى والبلدان القبلية والبحرية ومعهم من ذلك الدخان فيأتون إلى القرية ويطلبون مشايخها ويعطونهم قدراً موزوناً ويلزمونهم بالثمن المعين بالمرسوم الذي بيدهم فيقول أهل القرية نحن لا نستعمل النشوق ولا نعرفه ولا يوجد عندنا من يصنعه وليس لنا به حاجة ولا نشتريه ولا نأخذه فقال لهم إن لم تأخذوه فهاتوا ثمنه فإن أخذوه أو لم يأخذوه فهم ملزومون بدفع القدر المعين المرسوم، ثم كراء طريق المعينين وكلفتهم وعليق دوابهم.
ومنها أيضاً النطرون فرقوه وفرضوه على القرى محتجين أيضاً باحتياج الحياكة والقزازين إليه لغسل غزل الكتان وبياض قماشه ونحو ذلك، وأشنع من ذلك كله أنهم أرادوا فعل مثل هذا في الشراب المسكر المعروف بالعرقي وإلزام أهل القرى بأخذه ودفع ثمنه إن أخذوه أو لم يأخذوه فقيل لهم في ذلك قالوا أن شربه يقوي أبدانهم على أعمال الزرع والزراعة والحرث والكد في القطوة والنطالة والشادوف، ثم بطل ذلك.
ومنها أن الباشا شرع في عمل زلاقة تجاه باب القلعة المعروف بباب الجبل موصلة إلى أعلى الجبل المقطم فجمعوا البنائين والحجارين والفعلة للعمل فأحرقوا عدة قمينات للجير بجانب العمارة وطواحين للجبس ونودي بالمدينة على البنائين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائناً من كان، ويجتمع الجميع في عمارة الباشا بالقلعة والجبل إلى أن كمل عملها في السنة التالية طريقاً واسعاً منحدراً من الأعلى إلى الأسفل ممتداً في المسافة سهلاً في الطلوع إلى الجبل أو الانحدار منه بحيث يجوز عليه الماشي والراكب من غير مشقة ولا تعب كثير.
وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر، مات العلامة المفيد والنحرير الفريد النبيه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد الحريري الحنفي مفتي مذهب السادات الحنفية كوالده تفقه على والده وحضر في المعقولات على أشياخ الوقت كالبيلي والدردير والصبان وغيرهم وأنجب وتمهمر وصارت فيه ملكة جيدة واستحضار للفروع الفقهية، ولما مات والده في شهر رجب سنة عشرين ومائتين وألف تقلد منصب والده في الإفتاء، وكان لها أهلاً في التحري والمراجعة في المسائل المشكلة والعفة والصيانة والديانة والتباعد من الأمور المخلة بالمروءة مواظباً لوظائفه ودروسه ملازماً لداره إلا ما دعته الضرورة إليه من المواساة وحضور المجالس مع أرباب المظاهر، وكان مبتلى بضعف البصر وبآخرته اعتراه داء الباسور وقاسى منه شدة وانقطع بسببه عن الخروج من داره ووصف له حكيم بدمياط فسافر إليه لأجل ذلك وقصد تغيير الهواء وذلك بإشارة نسيبه الشيخ المهدي وقاسى أهوالاً في معالجته وقطعه بالآلة، فلم ينجح ورجع إلى مصر متزايد الألم ولم يزل ملازماً للفراش حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه وتعالى في يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الأولى من هذه السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بمدرسة الشعبانية بحارة الدويداري ظاهر حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الجامع الأزهر وخلف ولده النجيب الأديب سيدي محمدً الملقب عبد المعطي بارك الله فيه وأعانه على وقته.
ومات الغمام العلامة والعمدة الفهامة شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ عبد المنعم ابن شيخ الإسلام الشيخ أحمد العماوي المالكي الأزهري وهو من أهل القرن الثاني عشر تفقه على الشيخ الزهار وغيره من علماء مذهبه وحضر الأشياخ المتقدمين كالدفري والحفني والصعيدي والشيخ سالم النفراوي والشيخ الصباغ السكندري والشيخ فارس وقرأ الدرس وانتفع به الطلبة، ولم يزل ملازماً على إلقاء الدروس بالأزهر على طريقة المتقدمين مع العفة والديانة والانجماع عن الناس راضياً بحاله قانعاً بمعيشته ليس بيده من التعلقات الدنيوية سوى النظر على ضريح سيدي أبي السعود أبي الشعائر، ولم يتجرأ على الفتيا مع أهليته لذلك وزيادة، ولم تطمح نفسه لزخارف الدنيا وسفاسف الأمور مع التجمل في الملبس والمركب وإظهار الغنى وعدم التطلع لما في أيدي الناس ويصدع بالحق في المجالس ولا يتردد إلى بيوت الحكام والأكابر إلا في النادر بقدر الضرورة مع الأنفة والحشمة ولا يشكو ضرورة ولا حاجة ولا زماناً، ولم يزل على حالته حتى مرض أياماً وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة عن أربع وثمانين سنة وخرجوا بجنازته من منزله الكائن بدرب الحلفاء بالقرب من باب البرقية فمروا بالجنازة على خطة الجمالية على النحاسين على الأشرفية ودخلوا من جارة الخراطين إلى الجامع الأزهر وصلي عليه في مشهد حافل ودفن على والده بتربة المجاورين وخلف من الأولاد الذكور أربعة رجال ذوي لحى صلحاء وخطهم الشيب خلاف البنات رحمه الله وعفا عنا وعنه.
ومات الفقيه النبيه الصالح الورع العالم المحقق الشيخ أحمد الشهير ببرغوت المالكي ومولده بالبلدة المعروفة باليهودية بالبحيرة تفقه على أشياخ العصر ومهر في الفقه والمعقول وأقرأ الدروس وانتفع به الطلبة واشتهر ذكره بينهم وشهدوا بفضله، وكان على حالة حسنة منجمعاً عن الناس وراضياً بما قسمه له مولاه منكسر النفس متواضعاً، ولم يتزى بعمامة الفقهاء يمشي في حوائجه وتمرض بالزمانة مدة سنين يتعكز بعصاه، ولم يقطع درسه ولا أماليه حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه وتعالى يوم الأربعاء خامس شهر صفر من السنة ودفن بتربة المجاورين رحمه الله.
ومات العمدة النحرير والنبيل الشهير الشيخ سليمان الفيومي المالكي ولد بالفيوم وحضر إلى مصر وحفظ القرآن وجاور برواق القيمة بالأزهر وكان في أول عمره يمشي خلف حمار الشيخ الصعيدي وعليه دراعة صوف وشملة صفراء، ثم حضر دروسه ودروس الشيخ الدردير وغيرهما واختلط مع المنشدين، وكان له صوت شجي فيذهب مع المتذكرين إلى بيوت الأعيان في الليالي فينشد الإنشادات ويقرأ الأعشار فيعجبون به ويكرمونه زيادة على غيره واختلط ببعض الأعيان الذين يقال لهم البرقوقية من ذرية السلطان برقوق وهم نظار على أوقافه فراج أمره وكثرت معارفه بالأغوات الطواشية وبهم توصل إلى نساء الأمراء والسعي في حوائجهن وقضاياهن وصار له قبول زائد عندهن وعند أزواجهن وتجمل بالملابس وركب البغال وأحدق به المحدقون وتزوج بامرأة بناحية قنطرة الأمير حسين سوكن بدارها فماتت فورثها، ولما مات الشيخ محمد العقاد تعين المترجم لمشيخة رواق القيمة وبنى له محمد بك المعروف بالمبدول داراً عظيمة بحارة عابدين واشتهر ذكره وعلا شأنه وطار صيته وسافر في بعض مقتضيات الأمراء إلى دار السلطنة وعاد إلى مصر وأقبلت عليه الهدايا من الأمراء والحريمات والأغوات والأقباط وغيرهم واعتنوا بشأنه وزوجته الست زليخا زوجة إبراهيم بك الكبير بنت عبد الله الرومي وتصرف في أوقاف أبيها ومنها عزب البر تجاه رشيد وغيرها فاشتهر بالبلاد القبلية والبحرية، وكان مع قلة بضاعته في العلم مشاركاً بسبب التداخل في القضايا وكان كريم النفس جداً يجود وما لديه قليل مع حسن المعاشرة والبشاشة والتواضع والمواساة للكبير والصغير والجليل والحقير وطعامه مبذول للواردين ومن أتى في منزله إلى حاجة أو زائراً لا يمكنه الذهاب حتى يغديه أو يعشيه وإذا أتاه مسترقد، ولم يجد معه أشياء اقترض وأعطاه فوق ما موله ولا يبخل بجاهه وسعيه على أحد كائناً من كان بعوض وبدونه ومما اتفق له مراراً أنه يركب من الصباح في حوائج الناس فلا يعود إلا بعد العشاء الأخيرة فيلاقيه آخر ذو حاجة في نصف الطريق أو آخره فينهي إليه قصته إما بشفاعة عند أمير أو خلاص مسجون أو غير ذلك فيقف له ويستمع لقصته وهو راكب فيقول له في غد نذهب إليه فإن الوقت صار ليلاً فيقول صاحب الحاجة هو في داره في هذا الوقت فيعود من طريقه مع صاحب الحاجة إلى ذلك الأمير ولو بعدت داره ويقضي حاجته ويعود بعد حصة من الليل وهذا شأنه ولا ينتظر ولا يؤمل جعالة ولا أجرة نظير سعيه فإن أتوه بشيء أخذه أو هدية قبلها قلت أو كثرت وشكرهم على ذلك فمالت إليه القلوب ووفدت إليه ذوو الحاجات من كل ناحية فلا يرد أحداً ويستقبلهم بالبشاشة وينزلهم في داره ويطعمهم ويكرمهم ويستمرون في ضيافته حتى يقضي حوائجهم ويزودهم ويرجعون إلى أوطانهم مسرورين ومجبورين وشاكرين، ثم يكافئونه بما أمكنهم من المكافآت وإذا وصلت إليه هدية وادف وصولها حضوره بالمنزل فرق منها على من بمجلسه من الحاضرين فبذلك انجذبت إليه القلوب وساد على أقرانه ومعاصريه، ولما حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر وارتحل الأمراء المصريون إلى الصعيد وأحاط بدورهم وطلب الأموال من نسائهم وقبض على أولادهم وجواريهم وأمهات أولادهم وأنزلهم سوق المزاد التجأ إلى المترجم الكثير من نساء الأمراء الكبار فآواهن وأجهد نفسه في السعي في حمايتهن والرفق بهن ومواساتهن مدة إقامة حسن باشا بمصر وبعدها في إمارة إسماعيل بك، فلما رجع أزواجهن بعد الطاعون إلى إمارتهم ازداد قدر المترجم عندهم وقبوله ومحبته ووجاهته واشتهر عندهم بعدم قبوله الرشوة ومكارم الأخلاق والديانة والتورع، فكان يدخل إلى بيت الأمير ويعبر إلى محل الحريم ويجلس معهن وينسرون بدخوله عندهن ويقولون زارنا أبونا الشيخ وشاورنا أبانا الشيخ، فأشار علينا بكذا ونحو ذلك، ولم يزل مع لجميع على هذه الحالة إلى أن طرقت الفرنساوية البلاد المصرية وأخرجوا منها الأمراء وخرج النساء من بيوتهن وذهبن إليه أفواجاً أفواجاً حتى امتلأت داره وما حولها من الدور بالنساء فتصدى لهن المترجم وتداخل في الفرنساوية ودافع عنهن وأقمن بداره شهوراً وأخذ أماناً لكثير من الأجناد المصرية وأحضرهم إلى مصر وأقاموا بداره ليلاً ونهاراً وأحبه الفرنساوية أيضاً وقبلوا شفاعاته ويحضرون إلى داره ويعمل لهم الولائم وساس أموره معهم وقرروه في رؤساء الديوان الذي رتبوه لإجراء الأحكام بين المسلمين، ولما نظموا أمور القرى والبلدان المصرية على النسق الذي جعلوه رتبوا على مشايخ كل بلد شيخاً ترجع أمور البلدة ومشايخها إليه وشيخ المشايخ المترجم مضافاً ذلك لمشيخة الديوان وحاكمهم الكبير فرنساوي يسمى ابريزون فازدحمت داره بمشايخ البلدان فيأتون إليه أفواجاً وله مرتب خاص خلاف مرتب الديوان واستمر معهم في وجاهته إلى أن انقضت أيامهم وسافروا إلى بلادهم وحضرت العثمانية والوزير والمترجم في عداد العلماء والمتصدرين وافر الحرمة شهير الذكر بعيد الصيت مرعي الجانب مقبول القول عند الأكابر والأصاغر ولما قتل خليل أفندي الرجائي الدفتردار وكتخدا بك في حادثة مقتل طاهر باشا التجأ إليه أخو الدفتردار وخازنداره وغيرهما وذهبوا إلى داره وأقاموا عنده فحماهم وواساهم حتى سافروا إلى بلادهم، ولم يزل على حالته حتى نزل به بارد فأبطل شقه وعقد لسانه واستمر أياماً وتوفي ليلة الأحد خامس عشر ذي الحجة وخرجوا بجنازته من بيته بحارة عابدين وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم جداً مثل مشاهد العلماء الكبار المتقدمين وربما كان جمع النساء خلفه كجمع الرجال في الكثرة ووجدوا عليه ديوناً نحو العشرة آلاف ريال سامحه أصحابها، ولم يخلف من الأولاد إلا ابنتين رحمه الله وسامحه وعفا عنا وعنه آمين. وان الذي رتبوه لإجراء الأحكام بين المسلمين، ولما نظموا أمور القرى والبلدان المصرية على النسق الذي جعلوه رتبوا على مشايخ كل بلد شيخاً ترجع أمور البلدة ومشايخها إليه وشيخ المشايخ المترجم مضافاً ذلك لمشيخة الديوان وحاكمهم الكبير فرنساوي يسمى ابريزون فازدحمت داره بمشايخ البلدان فيأتون إليه أفواجاً وله مرتب خاص خلاف مرتب الديوان واستمر معهم في وجاهته إلى أن انقضت أيامهم وسافروا إلى بلادهم وحضرت العثمانية والوزير والمترجم في عداد العلماء والمتصدرين وافر الحرمة شهير الذكر بعيد الصيت مرعي الجانب مقبول القول عند الأكابر والأصاغر ولما قتل خليل أفندي الرجائي الدفتردار وكتخدا بك في حادثة مقتل طاهر باشا التجأ إليه أخو الدفتردار وخازنداره وغيرهما وذهبوا إلى داره وأقاموا عنده فحماهم وواساهم حتى سافروا إلى بلادهم، ولم يزل على حالته حتى نزل به بارد فأبطل شقه وعقد لسانه واستمر أياماً وتوفي ليلة الأحد خامس عشر ذي الحجة وخرجوا بجنازته من بيته بحارة عابدين وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم جداً مثل مشاهد العلماء الكبار المتقدمين وربما كان جمع النساء خلفه كجمع الرجال في الكثرة ووجدوا عليه ديوناً نحو العشرة آلاف ريال سامحه أصحابها، ولم يخلف من الأولاد إلا ابنتين رحمه الله وسامحه وعفا عنا وعنه آمين.
سنة خمس وعشرين ومائتين وألف استهل المحرم بيوم الاثنين فيه وردت الأخبار من الديار الرومية بغلبة الموسكوب واستيلائهم على ممالك كثيرة وأنه واقع بإسلامبول شدة حصر وغلاء في الأسعار وتخوف وأنهم يذيعون في الممالك بخلاف الواقع لأجل التطمين.
وفي خامسه حضر إبراهيم أفندي القابجي الذي كان توجه إلى الدولة من مدة سابقة وعلى يده مراسيم بطلب ذخيرة وغلال وعملوا لقدومه شنكاً ومدافع وطلع في موكب إلى القلعة.
وفيه رجع ديوان أفندي من ناحية قبلي وصحبته أحمد آغا شويكار فأقاما بمصر أياماً، ثم رجعا بجواب إلى الأمراء القبليين.
وفي ليلة السبت ثالث عشره، حصلت زلزلة عجيبة وارتجت منها الجهات ثلاث درجات متواليات واستمرت نحو أربع دقائق فانزعج الناس منها من منامهم وصار لهم جلبة وقلقة وخرج الكثير من دورهم هاربين إلى الأزقة يريدون الخلاص إلى الفضاء مع بعده عنهم وكان ذلك في أول الساعة السابعة من الليل وأصبح الناس يتحدثون بها فيما بينهم وسقط بسببها بعض حيطان ودور قديمة وتشققت جدران وسقطت منارة بسوس ونصف منارة بأم أخنان بالمنوفية وغير ذلك لا نعلمه.
وفي عصر يوم السبت أياً حصلت زلزلة ولكن دون الأولى فانزعج الناس منها أيضاً وهاجوا، ثم سكنوا، ثم كثر لغط العالم بمعاودتها فمنهم من يقول ليلة الأربعاء ومنهم من يقول خلافه وأنها تستمر طويلاً وأسندوا ذلك لبعض المنجمين ومنهم من أسنده لبعض النصارى واليهود وأن رجلاً نصرانياً ذهب إلى الباشا وأخبره بحصول ذلك وأكد في قوله وقال له احبسني وإن لم يظهر صدقي اقتلني وأن الباشا حبسه حتى يمضي الوقت الذي عينه ليظهر صدقه من كذبه وكل ذلك من تخيلاتهم واختلافاتهم وأكاذيبهم وما يعلم الغيب إلا الله.
وفي يوم الأحد رابع عشره أمر الباشا بالاحتياط على بيوت عظماء الأقباط كالمعلم غالي والمعلم جرجس الطويل وأخيه وفلتيوس وفرانسيسكو وعدتهم سبعة فأحضروهم في صورة منكرة وسمروا دورهم وأخذوا دفاترهم، فلما حضروا بين يديه قال لهم أريد حسابكم بموجب دفاتركم هذه وأمر بحبسهم فطلبوا منه الأمان وأن يأذن لهم في خطابه فأذن لهم فخاطبه المعلم غالي وخرجوا من بين يديه إلى الحبس، ثم قرر عليهم بواسطة حسين أفندي الروزنامجي سبعة آلاف كيس بعد أن كان طلب منهم ثلاثين ألف كيس.
وفي يوم الخميس ثامن عشره شاع في الناس حصول زلزلة تلك الليلة وهي ليلة الجمعة ويكون ذلك في نصف الليل فتأهب غالب الناس للطلوع بخارج البلد فخرجوا بنسائهم وأولادهم إلى شاطئ النيل ببولاق ونواحي الشيخ قمر ووسط بركة الأزبكية وغيرها وكذلك خرج الكثير من العسكر أيضاً ونصبوا خياماً في وسط الرميلة وقراميدان والقرافتين وقاسوا تلك الليلة من البرد ما لا يكيف ولا يوصف لأن الشمس كانت ببرج الدلو وهو وسط الشتاء، ولم يحصل شيء مما أشاعوه وأذاعوه وتوهموه وتسلق العيارون والحرامية تلك الليلة على كثير من الدور والأماكن وفتشوها، فلما أصبح يوم الجمعة كثر التشكي إلى الحكام من ذلك فنادوا في الأسواق بأن لا أحد يذكر أمر الزلزلة وكل من خرج لذلك من داره عوقب فانكفوا وتركوا هذا اللفظ الفارغ.
وفيه ظهر أنفار يقفون بالليل بصحن الجامع الأزهر فإذا قام إنسان لحاجته منفرداً أخذوا ما معه وأشيع ذلك فاجتهد الشيخ المهدي في الفحص والقبض على فاعل ذلك إلى أن عرفوا أشخاصهم ونسبهم وفيهم من هو من أولاد أصحاب المظاهر المتعممين فستروا أمرهم وأظهروا شخصاً من رفقائهم ليس له شهرة وأخرجوه من البلدة منفياً ونسبوا إليه الفعال وسنكشف ستر الفاعلين فيما بعد ويفتضحون بين العالم، كما يأتي خبر ذلك في سنة سبع وعشرين وكذلك أخرجوا طائفة من القوادين والنساء الفواحش سكونا بحارة الأزهر واجتمعوا في أهله حتى أن أكابر الدولة وعساكرهم بل وأهل البلد والسوقة جعلوا سمرهم وديدنهم ذكر الأزهر وأهله ونسبوا له كل رذيلة وقبيحة ويقولون هي كل موبقة تظهر منه ومن أهله وبعد أن كان منيع الشريعة والعلم صار بعكس ذلك، وقد ظهر منه قبل الزغلية والآن الحرامية وأمور غير ذلك مخفية.
وفيه طلب الباشا تمهيد الطريق الموصلة من القلعة إلى الزلاقة التي أنشأها طريقاً يصعد منها إلى الجبل المقطم السابق ذكرها وأراد أن يفرض على الأخطاط والحارات رجالاً للعمل بعدد مخصوص ومن اعتذر عن الخروج والمساعدة يفرض عليه بدلاً عنه قدراً من الدراهم يدفعها نظير البدل وأشيع هذا الأمر واستحضر الأوباش على الطبول والزمور، كما كانوا يفعلون في قضية عمارة محمد باشا خسرو، ثم أن الشيخ المهدي اجتمع بكتخدا بك وأدخل عليه وهماً أن محمد باشا خسرو لما فعل ذلك لم يتم له أمر وعزل، ولم تطل أيامه ونحن نطلب دوام دولتكم والأولى ترك هذا الأمر فتركوا ذلك ولم يذكروه بعد.